توشك كرة القدم أن تفتح صفحة جديدة من حكاياتها الشيقة، حيث تتحضر واشنطن لاستضافة واحدة من أبرز اللحظات المنتظرة في العام 2025.

توشك كرة القدم أن تفتح صفحة جديدة من حكاياتها الشيقة، حيث تتحضر واشنطن لاستضافة واحدة من أبرز اللحظات المنتظرة في العام 2025.

إنه يوم قرعة كأس العالم 2026، البطولة الأكثر إبهاراً واتساعاً في تاريخ اللعبة منذ ولادتها.

على خشبة مسرح مركز كينيدي، الذي تتداخل فيه ألوان السياسة مع بريق الفن، وتتمازج فيه الرياضة مع روح العرض، سيجلس العالم مشدود الأنفاس أمام شاشاتهم، مترقبين لحظة رسم الطريق أمام 48 منتخباً. المجموعات ستُعلن، الأحلام ستتبلور، وطرق التحدي ستظهر جلية. وبعد أن وصلت 42 منتخباً بالفعل إلى البطولة الكبرى، ينتظر البقية دورهم في صراع الملحق، حيث الأعصاب مشدودة حتى اللحظة الأخيرة.

وفي قراءة عميقة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، تم تسليط الضوء على حجم الانتظار الذي صنعته هذه النسخة المقبلة من البطولة. فهي ليست مجرد مهرجان كروي عابر، بل أصبحت مساحة تتقاطع فيها الرياضة مع المال، الطموحات مع السياسة، وحتى تلك السخرية التي رافقت شعارات الفيفا عن نشر السلام العالمي. يبدو وكأن كرة القدم باتت تحمل على كاهلها عبء إصلاح ما فشل فيه العالم طويلاً. ومع اقتراب رئيس الفيفا من الوقوف على المسرح ليعيد على مسامع الجماهير عباراته المألوفة عن وحدة الشعوب من خلال اللعبة الجميلة، يدرك الجميع أن هذا ليس محور الحديث الحقيقي.

ما ينتظره الجميع بفارغ الصبر هو تلك اللحظة المثيرة عندما يصعد نجوم اللعبة السابقون على خشبة المسرح ويشقون طريقهم نحو الكرات الشفافة الصغيرة. يفتح أحدهم كرة، ليظهر اسم فريق أو مجموعة، فتتبدل الخرائط، تُعاد صياغة الأحلام، وتُكتب سطور جديدة في كتاب اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

عالم كرة القدم، هناك دائماً متسع للتحليل والخيال، خاصة عندما يتعلق الأمر بقرعة البطولات الكبرى، تلك اللحظة التي تحدد مصير المنتخبات وترسم ملامح الطريق نحو الأمجاد. ومع اقتراب موعد القرعة، يبدأ الفضول بالتصاعد: كيف تُدار الأمور خلف الكواليس؟ وكيف تتشابك الحسابات النظرية مع المفاجآت التي تعشقها الرياضة؟

الحكاية في ظاهرها بسيطة للغاية: تم توزيع المنتخبات الـ48 على أربعة أوعية، كل وعاء يحتوي على 12 فريقاً. الدول المضيفة الثلاث - الولايات المتحدة والمكسيك وكندا - احتلت مكانها في الوعاء الأول برفقة أفضل تسعة منتخبات حسب تصنيف الفيفا. أما باقي الأوعية، فقد قسمت بناءً على التصنيف أيضاً، ليكون الوعاء الأخير مأوًى للمنتخبات الأقل ترتيباً، بما في ذلك فرق لم تحسم تأهلها بعد وما زالت تنتظر مباريات الملحق.

لكن الأمور لا تخلو من التعقيد. فمثلاً، المنتخب الإيطالي، رغم كونه بطلاً للعالم لأربع مرات ومصنفاً في المركز 12 عالميًا، قد يجد نفسه في القرعة مُقيّداً بمركز أضعف لمجرد تأهله عن طريق الملحق. وعلى الجانب الآخر، استثناء المنتخبات الأوروبية من التواجه بالكامل داخل المجموعات يبدو أمراً مستحيلاً، ما يعني أننا سنرى مجموعات تحتوي على فريقين من أوروبا بالتأكيد. وبالنسبة للمنتخبات الكبرى مثل الأرجنتين وإسبانيا وفرنسا وإنجلترا، فإن حسم تصدر مجموعاتها يبقيها بعيدة عن مواجهة بعضها البعض إلى أن يحين موعد نصف النهائي.

ومع كل هذه الحسابات النظرية، يظل للقرعة نفسها طابعاً خاصاً مليئاً بالمفاجآت. فمن يدري كيف ستتوزع الأوراق؟ ربما نحظى بمجموعة تضم الأرجنتين والمغرب، أو مجموعة تجمع بين قوة أوروبا وسرعة إفريقيا. وكل ذلك سيكون قابلاً للحياة إلى أن تُسحب الكرات وتقرر النجوم السابقة مصير النجوم القادمة.

حتى الآن، حجزت 42 منتخبا مواقعها في البطولة، وتم توزيعها كالآتي:

- في الوعاء الأول: نخبة الكرة العالمية. ألمانيا، هولندا، البرتغال، البرازيل، إسبانيا، إنجلترا وفرنسا بجانب الدول المستضيفة.

- الوعاء الثاني: هنا نجد المنتخبات المتوازنة مثل كرواتيا وصيف مونديال 2018 والمغرب الذي أذهل العالم في 2022، إضافة إلى فرق مثل الأوروغواي وكولومبيا وسويسرا واليابان وإيران وكوريا الجنوبية وأستراليا والإكوادور والسنغال والنمسا.

- الوعاء الثالث: تبرز المنتخبات العربية التي تحمل آمال جماهير كبيرة. السعودية، مصر، الجزائر، تونس وقطر، إلى جانب فرق مثل النرويج وكوت ديفوار وأوزبكستان وباراغواي واسكوتلندا وجنوب أفريقيا وبنما.

- أما الوعاء الرابع فلديه هوامش من الغموض. الأردن والرأس الأخضر وغانا وهايتي وكوراساو ونيوزيلندا تنتظر انضمام أربعة منتخبات أوروبية قادمة من الملحق القاري، والذي يندر وجود أي خطأ فيه كونه أشبه بمعركة أعصاب حقيقية.

وفيما تقترب اللحظة الحاسمة وينهمك المشجعون حول العالم بتحليل السيناريوهات المحتملة، لا تزال المعارك قائمة في عدة أماكن لتحديد المقاعد النهائية. في أوروبا، تنطلق صدامات ملحمية في الملحق: وبلز والبوسنة تواجهان الفائز من إيطاليا وآيرلندا الشمالية، وسلسلة أخرى تبدأ بين أوكرانيا والسويد قبل الالتقاء ببولندا أو ألبانيا. وهناك مواجهات شرسة أخرى مثل سلوفاكيا ضد كوسوفو للوصول إلى تركيا أو رومانيا، وأخرى تضع التشيك أو آيرلندا ضد الدنمارك أو مقدونيا الشمالية.

إنها لحظة تتداخل فيها الحسابات المستقرة مع حماس غير محدود لما لا يمكن التنبؤ به. فبين النظرية والتطبيق، تظل القرعة الحدث المؤجج للعواطف والشغف أينما كنت على خريطة كرة القدم العالمية.

في ملحق كأس العالم المنتظر في المكسيك، تجد جامايكا نفسها أمام تحدٍّ صعب منذ اللحظة الأولى، حيث ستواجه كاليدونيا الجديدة، تليها مواجهة حامية الوطيس مع الكونغو الديمقراطية. أما بوليفيا وسورينام، فتخوضان معركة فردية على بطاقة واحدة تمنح الفائز فرصة مواجهة العراق، في مباراة قد تُعدُّ مصيرية لدولة بأكملها.

وبينما تتشابك هذه التفاصيل المثيرة، يتردد في أروقة الإعلام الدولي همسات عن "مجموعة الموت". الغموض يلف منبع تلك المجموعة، لكن النماذج المفزعة تشير إلى احتمال اجتماع الفرق الكبرى مثل الأرجنتين، المغرب، إيطاليا، والنرويج في مجموعة واحدة. هذه المنتخبات ليست مجرد أسماء؛ بل فرق تحتل مراكز عالمية لامعة: الأول، الحادي عشر، الثاني عشر، والتاسع والعشرين. أحدهم، النرويج، دخل التصفيات بقوة عاصفة، محققًا ثماني انتصارات وسجل خلالها 37 هدفًا، وهو ما يُشعل الخيال بكل تأكيد.

ومن بين السطور التي تُكسب النص نكهة ساخرة، يلمح الكاتب إلى الوجه الإيجابي من توسيع البطولة إلى 48 فريقًا. يقول بتهكم إن هذه الخطوة فتحت الباب لفِرق "لطيفة"، مثل هايتي وكوراساو والرأس الأخضر... وأجل، إنجلترا أيضًا.

ومع اقتراب الساعة الحاسمة، تبدو المنتخبات المنخرطة في الملحق كأنها تقف على خشبة مسرح عالمي تحت الأضواء الساطعة، وكل تمريرة وكل حركة تدريبية أصبحت تعادل اختبارًا مصيريًا أمام أعين العالم.

وفي يوم الجمعة المقبل، تمام الثانية عشرة ظهرًا بتوقيت واشنطن، ستبدأ الرحلة الحقيقية، وستفتح الأبواب لكرة القدم للمرور إلى مستقبل جديد. ورغم أن البطولة لن تنطلق رسميًا إلا في 11 يونيو من العام القادم، إلا أن ملامح كأس العالم 2026 بدأت تُرسم منذ الآن، منذ أن جلست الملايين حول العالم تنتظر ذلك المشهد الفريد: كرة شفافة صغيرة تحدد مصير الأحلام القادمة.

الاربعاء: 26 نوفمبر2025