كيف استطاع السعودي عبد العزيز البيوك التغلب على يانيك سينر المصنف الأول عالميًا؟

في مارس 2017، وأثناء بطولة دولية للناشئين تحت إشراف الاتحاد الدولي للتنس (ITF) في الدوحة، وجد اللاعب السعودي عبد العزيز البيوك نفسه في مواجهة الإيطالي الشاب آنذاك يانيك سينر. مباراة بدت متوازنة على الورق، لكنها حفرت اسمها لاحقًا في ذاكرة التنس العربي والسعودي كواحدة من اللحظات اللافتة.

في تلك المواجهة، تمكن البيوك من قلب التوقعات وانتزع الفوز بنتيجة 3-6، 6-3، 7-5، في مباراة دامت حوالي ثلاث ساعات ونصف. الأداء البطولي للبيوك جاء بعد عودته من إصابة مزمنة في الكتف، إصابة لا تزال آثارها ترافقه حتى اليوم. وأفصح اللاعب السعودي عن أن هذا الفوز لم يكن مجرد انتصار رياضي، بل لحظة أظهرت الإمكانيات الحقيقية التي يمكن أن يبلغها لاعب التنس السعودي بالثقة في النفس وتوفير البيئة المناسبة والداعمة.

ولكن، الحكاية لم تتوقف عند تلك المباراة. فقد اتخذ كل من اللاعبين طريقًا مختلفًا تمامًا بعد تلك الواقعة، مما يعكس التفاوت الكبير بين مناخ النجاح والإعداد.

### طريقان مختلفان: بين البيوك وسينر

بعد المباراة، واصل يانيك سينر تطوره بشكل استثنائي، محققًا في السنوات اللاحقة قفزات مذهلة جعلته يحتل صدارة التصنيف العالمي للتنس ويُتوَّج ببطولة أستراليا المفتوحة لعام 2024. أصبح سينر واحدًا من أعمدة التنس العالمي بجانب أسماء لامعة مثل الإسباني كارلوس ألكاراز والصربي نوفاك ديوكوفيتش.

أما عبد العزيز البيوك، فقد سلك طريقًا آخر. رغم موهبته الواضحة وشغفه برياضة التنس، إلا أن غياب الدعم والبيئة المحفزة دفعاه نحو التركيز على دراسته الجامعية، مبتعدًا تدريجيًا عن دائرة الاحتراف. لكنه بقي يحمل في جعبته ذكريات تلك المباراة والعديد من التساؤلات حول ما كان يمكن أن يكون.

وفي حوار صحفي مع جريدة "الشرق الأوسط"، شارك البيوك تجربته واسترجع تفاصيل تلك المباراة المصيرية وما تبعها من أحداث وتحديات.

### تصريحات البيوك عن المباراة والفارق بينه وبين سينر

حين سُئل البيوك عن شعوره بعد الفوز على يانيك سينر وموقفه تجاه مكانة خصمه الحالية في عالم التنس، أجاب: "المباراة كانت وما زالت واحدة من أكثر اللحظات التي أتذكرها بدقة حتى الآن. لم تكن الأمور سهلة؛ كنت قد عدت للتو من إصابة مزمنة بالكتف، ومع ذلك صمدت وحققت الفوز بفضل الإصرار والإيمان بقدرتي. حينها، كان واضحًا أن يانيك لاعب مختلف.

وأضاف: "أعتقد أن الفرق الأساسي بيني وبين سينر يكمن في الالتزام الكامل بالرياضة. التنس يتطلب تفرغًا كبيرًا سواء بالوقت أو الجهد أو الإمكانيات المادية. وبينما واصل يانيك مسيرته دون توقف، وجدت نفسي مضطرًا للموازنة بين دراستي وطموحي الرياضي. هذا الواقع أثر بالطبع على مساري".

### التحديات التي واجهت البيوك

تطرق عبد العزيز إلى بعض الصعوبات التي عرقلت مسيرته كلاعب ناشئ، منها انشغاله بالدراسة والضغوط الناجمة عن ضرورة المشاركة في البطولات الدولية باستمرار. وأشار إلى فترة تدريبه في أكاديمية تنس بفرنسا عام 2015، حيث دمج بين التدريب والدراسة وسط ظروف شاقة. لكنه عاد لاحقًا للسعودية للعمل مع مدرب خاص، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا للوصول للمستوى الاحترافي الذي تطلبه لعبة مثل التنس.

وأشار البيوك أيضًا إلى معاناة أخرى تتمثل في التكلفة الباهظة لهذه الرياضة، التي قد تبلغ أكثر من 300 ألف ريال سنويًا. ورغم الدعم الكبير الذي تلقاه من عائلته، اعترف بأن العبء المالي يمثل تحديًا كبيرًا لأي أسرة.

### غياب الاستمرارية مقابل الالتزام المطلق لسينر

واختتم حديثه بتوضيح الفارق في عدد المباريات: "يانيك سينر لعب الحد الأقصى من عدد البطولات خلال 2017 فقط، وهو عدد يكاد يعادل مشاركاتي طوال مسيرتي في الفئات السنية الصغرى. الفرق ليس فقط في الموهبة، ولكن في تراكم الخبرات

في الواقع، لم أتوقف تماماً عن ممارسة التنس، وما زلت مهتماً بهذه الرياضة وأترقب أي فرصة مناسبة للعودة بشكل أكبر. استمر شغفي بالتنس خلال فترة دراستي الجامعية في الولايات المتحدة، حيث حققت إنجازات مميزة منها اختياري كأفضل لاعب في الموسم الأخير وضمي إلى فريق العام في دوري الجامعات.

في عام 2023، قررت متابعة دراساتي العليا في جامعة مانشستر. هذا القرار غيّر ترتيب أولوياتي، لتصبح الدراسة على رأس اهتماماتي حينها. حاليًا، أمارس التنس بشكل ترفيهي وأتابع العلاج بسبب إصابة في الكتف. رغم ذلك، تبقى لدي رغبة قوية في العودة للمنافسة إذا تهيأت الظروف المناسبة.

أما عن مصدر إلهامي في الرياضة، فهناك قصة تحمل دلالة خاصة بالنسبة لي. جدي بدأ ممارسة التنس وهو في التاسعة والخمسين من عمره، ولا يزال يمارسها اليوم بعمر التاسعة والثمانين. هذه القصة تُثبت لي أن العمر لا يشكل عائقاً، وأن الشغف والإرادة قادران على إعادة المرء إلى ممارسة الرياضة في أي مرحلة.

لو كنت مسؤولاً في اتحاد التنس السعودي ولديك مجموعة من المواهب الشابة كيف ستدعمهم وتعمل على إبراز قدراتهم؟

أعتقد أن الاستمرارية هي العنصر الجوهري في تطور اللاعبين الناشئين. سأعمل على تنظيم دوريات محلية أسبوعية تتيح لهم فرصة المشاركة التنافسية بشكل منتظم. هذه البطولات ستكون وسيلة لصقل مواهبهم وتجهيزهم للتحديات الأكبر.

سأبدأ بدعم اللاعبين منذ عمر صغير، عبر وضع برامج شاملة تهتم بالجوانب الفنية، البدنية، والنفسية. الجانب الذهني في التنس يُعتبر أساسياً، لذلك سأركز على توفير تدريب نفسي متخصص لتعزيز القدرات العقلية مثل التركيز، التحمل النفسي، وإدارة الضغوط.

بالإضافة إلى ذلك، سأشجع اللاعبين على تبنّي نمط حياة رياضي متكامل يحافظ على أدائهم ويقيهم الإصابات. البنية التحتية ستكون من الأولويات كذلك، مع إنشاء ملاعب متنوعة ومتعددة الأغراض لتحضير اللاعبين لمختلف البيئات التنافسية.

لن أتجاهل الجوانب التي قد تعيق اللاعبين مثل الالتزامات الدراسية أو صعوبة المشاركة في المنافسات. سأحرص على توفير برامج تعليمية مرنة تضمن التوفيق بين الرياضة والتعليم دون التضحية بأي منهما.

في هذا الإطار، لا بد أن أشيد بالدور الذي تلعبه أكاديمية مهد لتطوير المواهب الناشئة. الأكاديمية تُعد نموذجاً يُحتذى به بفضل احترافيتها العالية وجهودها في إعداد اللاعبين السعوديين بمستوى مميز.

كيف ترى الاهتمام بالمواهب الشابة في رياضة التنس بالسعودية؟

أجد أن السعودية تسير على الطريق الصحيح بفضل الدعم الكبير من القيادة ممثلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الرياضة الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل. هناك تقدم واضح وأشخاص أكفاء يعملون بجد لتطوير اللعبة. أثق أن رؤية لاعب سعودي ينافس عالمياً باتت مسألة وقت.

بماذا تريد ختام حديثك لـ«الشرق الأوسط»؟

أود الإشارة إلى شخصية لها دور بارز في مستقبل التنس السعودي، وهو عمر عبده. رغم أنه ليس لاعباً، فإنه يقدم صورة مشرقة للمملكة من خلال عمله المميز ضمن رابطة لاعبي التنس المحترفين (ATP). وجود أشخاص بخبرته وكفاءته يعزز الحضور السعودي دولياً ويتيح لنا فرصة للفخر بريادتنا في هذه الرياضة مستقبلاً.