
.

كرة القدم تواصل استنزاف مواهبها… هل يواجه لامين يامال خطر الاحتراق مبكرًا؟



كرة القدم تواصل استنزاف مواهبها… هل يواجه لامين يامال خطر الاحتراق مبكرًا؟
زارع الفرحة وصانع البهجة في ميادين كرة القدم، لامين يامال، اللاعب الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، يقف اليوم أمام مفترق طرق خطير في مشواره المهني. مع دخول فترة التوقف الدولي الثانية لموسم 2025-2026، يجد هذا النجم الواعد نفسه مضطرًا لاستغلال الراحة ليس للاسترخاء، بل للتعافي من إصابة مزعجة تعرض لها خلال الخسارة أمام باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا. فما الذي يحدث عندما تتحول كرة القدم من منصة أحلام إلى آلة استهلاك لا ترحم؟
مع بلوغه عمرًا لم يتجاوز 18 عامًا، خاض يامال عددًا مذهلاً من المباريات؛ 130 لقاءً مع برشلونة ومنتخب إسبانيا، بمجموع دقائق لعب بلغ 8,158 دقيقة. هذه الأرقام تفوق بمراحل ما قدمه لاعبو النخبة الآخرون من نفس فئته العمرية، وهو ما يثير قلقًا مشروعًا بشأن مستقبل اللاعب.
إن الإحصائيات وحدها كفيلة بدق ناقوس الخطر. النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين (فيفبرو) استخدمت حالة يامال في تقرير يعالج تأثير جداول المباريات المزدحمة على صحة اللاعبين وأدائهم. التقرير جاء بلغة تضع نقطة النهاية تحت خط عريض: "الإرهاق المتزايد وانعدام الحماية هما خصمان شرسان لموهبة اللاعبين، وبخاصة الشباب".
بحسب الدكتور دارين بيرغس، رئيس الشبكة الاستشارية للأداء عالي الكفاءة بـ"فيفبرو"، فإن تحمل لاعب شاب للتحديات الجسدية والعقلية قبل أن تصل أجسادهم وعقولهم إلى النضج الكامل قد يكون له أثمان باهظة. في مرحلة عمرية حرجة ما بين 16 و20 عامًا، تصبح المطالب العالية أشبه بقنبلة موقوتة تهدد بتدمير ما كان يمكن أن يكون مسيرة طويلة ومليئة بالإنجازات.
وحتى بالمقارنة مع لاعبين كبار آخرين مثل جافي وبيدري داخل صفوف برشلونة أو جود بيلينغهام في الملعب الدولي، تتجاوز وتيرة لعب يامال كل الحدود المتوقعة. لقد دخل التاريخ كأصغر لاعب يصل إلى 100 مباراة مع فريق أول، محطمًا أرقامًا قياسية سابقة لنخبة النجوم مثل روميلو لوكاكو. ومع ذلك، فإن لكل إنجاز كُلفته، وقد بدأت هذه الكلفة تظهر على جسده الشاب.
رغم موهبته الواضحة وقدرته على تفادي الإصابات لفترة طويلة منذ بداية مسيرته الاحترافية بعمر 15 عامًا وتسعة أشهر فقط، فإن الإصابة التي تعرض لها مؤخرًا ألقت بظلال ثقيلة على حاضر ومستقبل اللاعب. الإصابة الأخيرة التي لحقت به في الفخذ قد تبعده لمدة تصل إلى شهر كامل، مما يعني غيابه عن تصفيات كأس العالم وربما عن الكلاسيكو المنتظر ضد ريال مدريد.
لكن القصة لا تنتهي هنا. هناك توتر متزايد بين برشلونة ومنتخب إسبانيا حول الطريقة المثلى للحفاظ على اللاعب. تصريحات المدير الفني لبرشلونة هانسي فليك حملت تلميحات واضحة عن تقصير منتخب إسبانيا في إدارة حالة اللاعب البدنية. "ذهب يامال إلى المنتخب وهو يعاني الألم، ولعب وهو يتلقى المسكنات"، قال فليك بحسرة، مشيرًا إلى أن رعاية اللاعبين يجب ألا تكون مُرتهنة بنتائج المباريات وحدها.
ما يجعل القصة أكثر إثارة للقلق هو أنها ليست مجرد حالة فردية. كرة القدم الحديثة وسط زحمة البطولات المستحدثة والمباريات المتزايدة أضحت تطلب من اللاعبين الشباب ما يفوق طاقتهم الجسدية والنفسية. وفي غياب استراتيجية حقيقية لحمايتهم، قد نجد أنفسنا نخسر المزيد من المواهب قبل أن تبلغ ذروتها.
هل يستطيع يامال النجاة من طاحونة الاحتراق السريع؟ أم أن المستقبل سيكتب صفحة حزينة أخرى في تاريخ اللاعبين الذين دفعوا ثمن تألقهم غاليًا؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد هو أن النظام الحالي يحتاج إلى إعادة نظر عاجلة قبل أن تتحول اللعبة المفضلة إلى حكاية استنزاف مستمرة للنجوم الشباب.
منتخب إسبانيا يضم نخبة من أفضل اللاعبين في العالم في مختلف المراكز، لكن التركيز يجب أن ينصب على تنمية المواهب الشابة. كان هذا هو جوهر تصريحات أحد المدربين المخضرمين، حيث عبّر عن حزنه إزاء الطريقة التي تُدار بها الأمور حالياً، مشيراً إلى ضرورة رعاية هؤلاء اللاعبين الواعدين بشكل أفضل. على الجهة الأخرى، جاء ردّ المدير الفني لمنتخب إسبانيا لويس دي لا فوينتي سريعاً، معبّراً عن دهشته من انتقادات زميله. وقال إنه كان يتوقع المزيد من التعاطف من شخص لديه خبرة سابقة في قيادة المنتخبات الوطنية.
من جانبه، أكّد المدرب الذي وجّه النقد أنه غير نادم على تصريحاته بشأن تعامل منتخب إسبانيا مع اللاعب اليافع لامين يامال، لكنه أعلن أن القضية باتت وراءه الآن. الجدال تصاعد بعدما طلب نادي برشلونة استبعاد يامال من مباريات المنتخب المقبلة بدعوى أنه مصاب في الفخذ عقب خسارة الفريق أمام باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا. إلا أن دي لا فوينتي تجاهل الطلب واستدعى اللاعب رغمًا عن ذلك. وردّ المدرب المنتقد قائلاً إنه كان يهدف إلى حماية اللاعب فقط، مشيراً إلى تصرف المنتخب الإسباني بـ"المتهور". وأضاف: "قد تكون تلك قصتكم المثيرة كإعلام، لكن بالنسبة لي، انتهى الأمر. أنا أركز الآن على الحاضر والمستقبل. هدفي كان حماية اللاعب، وهذا هو كل شيء".
المسألة أبعد من مجرد خلاف بين المدربين. النزاعات بين الأندية والمنتخبات حول اللاعبين الشباب ليست جديدة. واين روني ومايكل أوين هما مثالٌ حيّ على نتائج الإهمال في إدارة مشاركات اللاعبين الصغار. كلاهما شق طريقه إلى التشكيلات الأساسية لمنتخب إنجلترا وأنديتهما وهو في مقتبل العمر. ورغم لمعانهما المبكر، إلا أن كثرة المباريات والضغوط البدنية أدت إلى إصابات متكررة أثّرت على أدائهما لاحقاً وأخرجتهما من الساحة الدولية حتى قبل بلوغ الثلاثين.
في ضوء ذلك، تتزايد التحذيرات التي يُطلقها خبراء المجال، مثل بيرغس، المدير السابق للأداء الرياضي في أندية أوروبية كبرى مثل آرسنال وليفربول. يشير بيرغس إلى أن الضغط الكبير على اللاعبين الشباب يمكن أن يلحق أضرارًا دائمة بأجسادهم. حيث يشرح أن صفائح النمو والأوتار تبقى أكثر عرضة للإصابات في سنوات الشباب، خصوصاً مع زيادة الأحمال البدنية من مباريات متتالية وفترات تعافٍ قصيرة.
بيرغس سلط الضوء على قضية أخرى مهمة؛ ما قد يبدو كإصابة بسيطة في العضلات أو كسر طفيف يمكن أن يتحول بسهولة إلى مشكلة مزمنة تمتد مع اللاعب طوال حياته الكروية. النتيجة؟ إمكانات ضائعة ومسيرات قصيرة قد تنتهي قبل أن تبدأ بالفعل. وأضاف: "الموهبة المبكرة قد تتحول إلى عبء إذا لم يتم الاعتناء بها بشكل كافٍ ومنحها الوقت للنضوج تدريجياً."
لامين يامال مثال حي على مثل هذه الحالات، حيث لمع نجمه مع برشلونة ومنتخب إسبانيا وهو لم يبلغ بعد 18 عاماً. يُنظَر إليه باعتباره أحد أبرز المواهب الصاعدة وربما خليفة أساطير كرة القدم مثل ميسي ورونالدو، ولكن استغلال ذلك بشكل مفرط قد يحرم العالم من رؤية إمكانياته الكاملة. هنا تقع المسؤولية الكبرى على عاتق ناديه وبرشلونة ومنتخب إسبانيا كذلك، حيث يجب عليهم وضع رفاه اللاعب وتطوره في المرتبة الأولى بعيداً عن الضغوط قصيرة الأجل.
في نهاية المطاف، إذا كانت كرة القدم تستهدف بناء جيل جديد من النجوم، فعليها أن تعيد النظر في الطريقة التي تطور بها المواهب الشابة. منح هؤلاء اللاعبين الوقت والمساحة للنمو هو الطريق الوحيد لضمان أن يصبحوا نجوم الغد بدلاً من إرهاقهم حتى الإنطفاء قبل الأوان